Saturday, October 21, 2017

هل يجوز الذكر بآه وأه -04

اسم الصدر

إسم الصّدر آه ينطقه كلُّ إنسان مكروبٍ، أو نشوانٍ، أو مُتَحَيِّرٍ ، لِيُعَبِّرَ به على الحالة التي هُوَ فِيها ويتَّفِقُ في ذلك كُلُّ الخَلْقِ منْ بَنِي البَشَرِ كافرًا أو مؤمنا، وهو اسم قَهْرِيٌّ يُلْهِمُهُ الخالِقُ لكلِّ خَلْقِهِ لكيْ تُقْضَى الحاجةُ مِنْ ذلك، فَيُفْهَمُ الحَيْران، و يُفَرَّجُ عَنِ المَكْرُوبِ، والبَاكِي يُتَنَفَّسُ عَنْهُ بِصِيَاحِهِ وبُكائِهِ .

و الحضرة متنفّس الصّوفيّة وتعبيرٌ عن قمّة فرحهم وشوقهم بمحبّتهم لله ورسوله صلّى الله عليه وسلم. إذ المحبّة تقتضي تفاعلا وتناغما مع المحبوب. فكبت هذا الشّعور يتولّد عنه إحباط وربما في بعض الأحيان يكون فيه نهاية المحبّ. و كم من عاشق مات شهيدا (ومن الحبّ ما قتل) . فخذ مثلا عشّاق كرة القدم، ترى حالهم عند تسجيل فريقهم معبّرين عن فرحتهم بالصّياح والهتاف اللامحدود، حتّى أنّ بعضهم يغمى عليه من شدّة الفرح و منهم من لم يتحمّل قوّة العشق و لذة الانتصار فيسقط ميّتا ؟ أمّا عشّاق الغناء والطّرب فحدّث ولا حرج. فقد يتمنّى العاشق أو العاشقة منهم نظرة أو كلمة أوحتّى إشارة يرى فيها سؤله ومناه فتنتهي ربما بحتفه. ألم يحدث في تشييع جنازة بعض المطربين أن انتحر الكثير برمي أنفسهن من بنايات شاهقة ….؟ نسأل الله اللطف والعافية في القلوب والعقول وهذا حديث عن الجانب التّفاعلي الفيزيائي لما يحدث للعبد عند قمّة الفرح في بعض الأحيان. ولكن المحبّة الشّرعيّة والشّوق إلى الله الكريم العظيم تحدّثت عنها مواقف المحبّة الالهية .

وخير ما نتحدّث به هنا عن الحديث الذي ذكره شيخنا السيد محمد المداني رضي الله عنه في بعض رسائله إثر سؤال بعثه إليه بعض مريديه في كتاب شرح المعاني في رسائل الشيخ المداني لتفسيره للحديث : “ من عشِقَ فعَفَّ فماتَ ماتَ شَهيدًا ” . ما يلي : “…و الحاصل أنّ من عشق وكان نزيها في عشقه وكاتما له فإنّه يموت شهيدا ينزله الله منزلا مباركا وهو خير المنزلين. أمّا من كان عشقه في دعارة و فساد، حفظ الله الجميع، فإذا أقلع عن ذنبه وتاب إلى الله ورجع إليه فإنّ الله يقبل التّوبة عن عباده ويحبّ التّوابين و يحبّ المتطهّرين. وإذا لم يتب من ذلك فإنّ أمره مفوّض لربّه”. ثم يواصل ويقول في الخاتمة :“أمّا فهم الحديث بطريق الإشارة حسبما يفهمه الخاصّة من الأمّة المحمديّة فهو: الذي يعشق الحضرة الإلهيّة و يتقوّى حبّه فيها فيعفّ ويترك ما نهاه الله عنه ويتقرّب إلى الله بما فرض عليه ثم يتقرّب إليه بالنّوافل حتّى يصير محبوبا عند الله، فيكون له الحقّ سمعا وبصرا ويدا ورجلا. ويكون مجاب الدّعوة ويكون كاتما ما يفيض عليه من العلوم الأحديّة ولا يبوح بسرّه الذي يتجلّى الله به عليه ، فإذا مات بعد ذلك كان شهيدا، وكان مغفورا له يتمتّع بدخول النّعيم و بالنّظر إلى وجه الله الكريم. اللهم اجعلنا من عبادك المقرّبين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . آمين . ولذلك قيل هل أحدّث بكل ماأسمع منك يا رسول الله . قال نعم إلاّ بحديث لم يبلغ عقول القوم فيكون على بعضهم فتنة”. انتهى كلامه رضي الله عنه.

ولله المنّة والفضل أنّ الصّوفيّة فرحهم شرعيّ وغايتهم التّوحيد الخالص لله سبحانه ، فهذا الشّعور إن لم يُوظَّف إيجابيًّا والتّمتّع بسرّ فحوى هته المحبّة ويُعبّرُ عنه بهذا الشّكل من الحضور مع الله فإنّه يُؤثّر سلبا على العلاقة القويّة بين الحبيب والمحبوب . يقول الشّاعر رحمه الله تعالى :
إذا اشتدّ الهوى في قلبِ صبٍّ *** تُنَفِّسُ كُرْبةَ العُشَّاقِ آهُ

ويؤيده حديث البخاري في حنين الجذع
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ ، فَقَالَتْ : امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَوْ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا ، قالَ : " إِنْ شِئْتُمْ فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ قَالَ : كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا " .

لما حن الجذع شوقا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشغفا من فراقه  فجعل يسكنه وعوضه أن يغرسه ف بالجنة، ويستفاد منه جواز الأنين لنيل مقصوده ، ولو كان صوت الأنين مكروها منكرا لما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم،  فأهل الله وأولياؤه أرادوا قربه ولقاءه وشاقوا وحزنوا عليه بالأنين والتأوه، ونالوا قرب الله تعالى وعلموا مريديهم،

ويرى بعض العلماء أن حديث عائشة رضي الله عنها "دعوه يئن فإن الأنين اسم من اسماء الله تعالى" في صحيح البخاري ومسلم ، وهذا وهم منهم، ولكن ذكر الأنين فقط ورد فيهما.

يتبع .....

No comments:

Post a Comment